الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.فَصْلٌ: [اجتماعُ الحدودِ]: (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ) تَعَالَى (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ (بِأَنْ زَنَى) مِرَارًا (أَوْ سَرَقَ) مِرَارًا (أَوْ شَرِبَ) الْخَمْرَ (مِرَارًا تَدَاخَلَتْ، فَلَا يُحَدُّ سِوَى مَرَّةٍ) وَاحِدَةٍ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ كُلِّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحَدٍّ وَاحِدٍ وَكَالْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسٍ.(وَ) إنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى (مِنْ أَجْنَاسٍ) كَأَنْ زَنَى وَسَرَقَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ (وَفِيهَا قَتْلٌ) بِأَنْ كَانَ فِي الْمِثَالِ مُحْصَنًا (اسْتَوْفَى) الْقَتْلَ (وَحْدَهُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَالْمُحَارِبِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ، وَمَعَ الْقَتْلِ لَا حَاجَةَ إلَى زَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَإِنْ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الرَّجْمَ وَالْقَتْلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَالرِّدَّةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ لِلْمُحَارَبَةِ، وَيَسْقُطُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ آدَمِيٍّ فِي الْقِصَاصِ، وَالْمُحَارَبَةُ إنَّمَا أَثَّرَتْ بِتَحَتُّمِهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، (وَإِلَّا) يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ وَهِيَ مِنْ أَجْنَاسٍ كَبِكْرٍ زَنَى وَشُرْبٍ وَسَرِقَةٍ (وَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَحَقِّ فَالْأَحَقُّ) فَيَحُدُّ أَوَّلًا لِشُرْبٍ ثُمَّ لِزِنًا ثُمَّ لِقَطْعٍ (وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ آدَمِيٍّ كُلُّهَا) فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ الْقَتْلِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِالْقَتْلِ كَالدُّيُونِ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ. (وَيَبْدَأُ بِغَيْرِ قَتْلٍ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفُّ وُجُوبًا) فَمَنْ قَذَفَ وَقَطَعَ عُضْوًا وَقَتَلَ مُكَافِئًا؛ حُدَّ أَوَّلًا لِقَذْفٍ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ (وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ) حُقُوقُ آدَمِيٍّ (مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) فَيَسْتَوْفِي كُلَّهَا (وَيُبْدَأُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ، فَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ، وَقَذَفَ، وَقَطَعَ يَدًا؛ قُطِعَ)؛ أَيْ: قُطِعَتْ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ؛ لِسُقُوطِهِ بِإِسْقَاطِهِ؛ (ثُمَّ حُدَّ لِقَذْفٍ) لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ (فَشُرْبٍ فَزِنًا لَكِنْ لَوْ قَتَلَ) مُكَافِئًا عَمْدًا (وَارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ) مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ (وَقَطَعَ يَدًا، قُتِلَ لَهُمَا أَوْ قُطِعَ لَهُمَا) لِاتِّحَادِ حَقِّ مَحِلِّ الْحَقَّيْنِ، فَتَدَاخَلَا. (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مَا قَبْلَهُ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَوَالِي الْحُدُودِ عَلَيْهِ إلَى تَلَفِهِ. تَتِمَّةٌ وَإِنْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ؛ قُتِلَ حَتْمًا لِلْقَتْلِ وَلَمْ يُطْلَبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا، وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ حُدَّ لِلَّهِ فَيَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ. وَإِنْ قَتَلَ مَعَ الْمُحَارَبَةِ جَمَاعَةً قُتِلَ بِالْأَوَّلِ حَتْمًا، وَلِأَوْلِيَاءِ الْبَاقِينَ مِنْ الْقَتْلَى دِيَاتُهُمْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ مَاتَ، لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ..فَصْلٌ: [مَنْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ مَكَّةَ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهَا]: (وَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا) أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ، (أَوْ) لَجَأَ (حَرْبِيٌّ أَوْ) لَجَأَ مُرْتَدٌّ (إلَيْهِ؛ حَرُمَ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ)؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِقَتْلٍ وَغَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ؛ أَيْ: أَمِّنُوهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَرَّمَ سَفْكَ الدِّمَاءِ بِمَكَّةَ»، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ». وَقَوْلُهُ: ( «إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ») رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَيَّجْتُهُ (لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى وَلَا يُكَلَّمُ) وَلَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ وَلَا يُجَالَسُ؛ وَيُهْجَرُ (حَتَّى يَخْرُجَ) مِنْ الْحَرَمِ، (فَيُقَامُ عَلَيْهِ) لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ دَائِمًا، فَيَضِيعُ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ. (وَمَنْ فَعَلَهُ)؛ أَيْ: قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا فِيهِ- أَيْ فِي الْحَرَمِ أُخِذَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ)؛ أَيْ بِمَا فَعَلَهُ (فِيهِ)-، أَيْ: فِي الْحَرَمِ- قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} الْآيَةَ، فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ عِنْدَ قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ يَحْتَاجُونَ إلَى الزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِيهِ لَتَعَطَّلَتْ الْحُدُودُ فِي حَقِّهِمْ، وَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا. (وَمَنْ قُوتِلَ فِيهِ)؛ أَيْ: الْحَرَمِ (دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قُرِئَ بِهِمَا، ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ. وَفِي التَّمْهِيدِأَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَغْيُهُمْ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافَهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ. (وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ لَوْ تَغَلَّبَ فِيهِ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ، وَجَبَ قِتَالُهُمْ فِيهِ)؛ أَيْ: الْحَرَمِ (بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الرَّكْبِ؛ فَإِنَّهُ (يُدْفَعُ مُتَعَدٍّ فِيهِ)؛ أَيْ: الْحَرَمِ (كـَ) مَا يُدْفَعُ (الصَّائِلُ) وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ، بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. وَفِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ. (وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ) فَلَوْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ شَهْرٌ حَرَامٌ؛ أُقِيم عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. (وَإِذَا أَتَى غَازٍ حَدًّا، أَوْ أَتَى قَوَدًا) وَهُوَ (بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ خَارِجِهَا، ثُمَّ دَخَلَ إلَيْهَا؛ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ)؛ أَيْ: الْحَدِّ أَوْ الْقَوَدِ (حَتَّى يَرْجِعَ لِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِخَبَرِ بَشِيرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «لَوْ تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ إجْمَاعٌ لِلصَّحَابَةِ، فَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يُقَامُ عَلَيْهِ، لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى النَّاسِ أَنْ لَا يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَلَا سَرِيَّةٍ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلًا، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ فَيَلْحَقُ بِالْكُفَّارِ.تَتِمَّةٌ:وَإِنْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ؛ وَإِنْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ؛ أُقِيمَ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا..بَابٌ حَدُّ الزِّنَا: الزِّنَا: بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَالْمَدِّ عِنْدَ تَمِيمٍ، وَالزِّنَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى، وَمَعْنَاهُ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِسَفْحِ الْمَاءِ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ مُشْتَهًى مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ لِلْوَلَدِ، وَيُسَمَّى سِفَاحًا (وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ فِي دُبُرٍ وَهُوَ)؛ أَيْ: الزِّنَا (أَكْبَرُ الذُّنُوبِ) الْمُوبِقَاتِ (بَعْدَ شِرْكٍ) قُدِّمَ الشِّرْكُ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، وَأَبَاحَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَهْلَهُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ عَبِيدًا لَهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْقِيَامَ بِعُبُودِيَّةِ اللَّهِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا أَوْ يَقْبَلَ فِيهِ شَفَاعَةً، أَوْ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ دَعْوَةً، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ أَجْهَلُ الْجَاهِلِينَ بِاَللَّهِ حَيْثُ جَعَلَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نِدًّا، وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ غَايَةُ الظُّلْمِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُ لَمْ يَظْلِمْ رَبَّهُ وَإِنَّمَا ظَلَمَ نَفْسَهُ [(وَقَتْلٍ) قَدْ جَعَلَ اللَّهُ] الْقَتْلَ بِإِزَاءِ الشِّرْكِ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ الزِّنَا وَاللُّوَاطَةُ؛ فَإِنَّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَنْسَابَ (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا) وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ: الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَصْدِيقَهَا {وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}» الْآيَةَ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ؛ فَإِنْ سَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ الذَّنْبِ فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ. فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَا أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ؛ فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا تُضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنْ الْحَقِّ.(وَ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الزِّنَا (يَتَفَاوَتُ) إثْمُهُ وَيَعْظُمُ جُرْمُهُ بِحَسَبِ مَوَارِدِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فَزِنًا بِذَاتِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) لَهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَعْظَمُ مِنْ زِنًا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ) إذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ، وَإِفْسَادُ فِرَاشِهِ، وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ، فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا وَجُرْمًا مِنْ الزِّنَا بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ (فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا انْضَمَّ لَهُ سُوءُ الْجِوَارِ) وَإِيذَاءُ جَارٍ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ أَوْ كَانَ الْجَارُ أَخًا (أَوْ قَرِيبًا) مِنْ أَقَارِبِهِ (انْضَمَّ لَهُ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ) فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ، فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالْعِبَادَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ حَتَّى إنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: خُذْ عَلَى حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ. «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا: ظَنُّكُمْ؟» [أَيْ:] مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ قَدْ حَكَمَ فِي أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَاءَ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، حَيْثُ لَا يَتْرُكُ الْأَبُ لِابْنِهِ، وَلَا الصِّدِّيقُ لِصِدِّيقِهِ حَقًّا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا لَهُ انْضَافَ إلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الْإِثْمُ أَعْظَمَ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إثْمًا وَعُقُوبَةً، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ تَضَاعَفَ الْإِثْمُ، وَعَلَى هَذَا فَاعْتُبِرَ مَفَاسِدُ الذُّنُوبِ وَتَضَاعُفُ دَرَجَاتِهَا فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الزِّنَا مَوْجُودًا فِي اللِّوَاطِ مِنْ كَوْنِهِ إيلَاجَ فَرْجٍ فِي مَحِلٍّ مُحَرَّمٍ إلَى آخِرِهِ، بَلْ هُوَ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَلِذَلِكَ قَالَ: (وَيَتَّجِهُ وَأَفْظَعُهُ)؛ أَيْ: أَفْظَعُ أَنْوَاعِ الزِّنَا (اللِّوَاطُ) وَإِنْ كَانَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْفُحْشِ، وَفِي كُلِّ فَسَادٍ يُنَافِي حِكْمَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَإِنَّ فِي اللِّوَاطِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا يَفُوتُ الْحَصْرَ وَالتَّعْدَادَ، وَلَأَنْ يُقْتَلَ الْمَفْعُولُ بِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُؤْتَى فَإِنَّهُ يَفْسُدُ فَسَادًا لَا يُرْجَى لَهُ بَعْدَهُ صَلَاحٌ أَبَدًا، وَيَذْهَبُ خَيْرُهُ كُلُّهُ، وَتَمْتَصُّ الْأَرْضُ مَاوِيَّةَ الْحَيَاءِ مِنْ وَجْهِهِ، فَلَا يَسْتَحْيِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ خَلْقِهِ، وَتَعْمَلُ فِي قَلْبِهِ وَرُوحِهِ نُطْفَةُ الْفَاعِلِ مَا يَعْمَلُ السُّمُّ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يُوَفَّقَ لِخَيْرٍ، وَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَكُلَّمَا عَمِلَ خَيْرًا قُيِّضَ لَهُ مَا يُفْسِدُهُ عُقُوبَةً لَهُ؛ وَقَلَّ أَنْ تَرَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي صِغَرِهِ إلَّا وَهُوَ فِي كِبَرِهِ شَرٌّ مِمَّا كَانَ، وَلَا يُوَفَّقُ لِعِلْمٍ نَافِعٍ، وَلَا عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَا تَوْبَةٍ نَصُوحٍ غَالِبًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَمَفْسَدَةُ اللِّوَاطِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ، وَعُقُوبَاتُهُ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. لِقَوْلِ [اللَّهِ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ}. وَقَالَ فِي الزِّنَا: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وَلَمْ يَقُلْ مَا سَبَقَكُمْ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ اللِّوَاطَ أَفْظَعُ مِنْ الزِّنَا، وَلِذَلِكَ قَالَ] (كَثِيرٌ) مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرٍ (بِقَتْلِهِ)؛ أَيْ: اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِقَتْلِهِ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ (عَلَى كُلِّ حَالٍ) مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَقَدْ أَطْبَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلِهِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي صِفَةِ قَتْلِهِ؛ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مِنْهُمْ فِي قَتْلِهِ، فَحَكَاهَا مَسْأَلَةَ نِزَاعٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ بَيْنَهُمْ مَسْأَلَةُ إجْمَاعٍ، لَا مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ. رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رَوَاه أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ حَدَّ اللُّوطِيِّ كَالزَّانِي سَوَاءٌ، وَيَأْتِي (وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ (قَالَ) بَعْضُ (الْأَصْحَابِ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ)، أَيْ: الْقَوْلُ بِتَحْرِيقِ اللُّوطِيِّ (مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا يَثْبُتُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَكَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا فِيهِ. فَقَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا إلَّا أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهَا أَرَى أَنْ يُحْرَقَ؛ بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدٍ فَحَرَقَهُ. (فَإِذَا زَنَى مُحْصَنٌ. وَجَبَ رَجْمُهُ حَتَّى يَمُوتَ بِحِجَارَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ) كَالْكَفِّ (فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخَنَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَا أَنْ يُطَوَّلَ عَلَيْهِ بِحَصَيَاتٍ صَغِيرَةٍ) حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ نَسَخَ رَسْمَهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ الْخَبَرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ فِي الْمَصَاحِفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا، وَثَوَابُ تِلَاوَتِهَا.قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَهُوَ أَدْنَى طُرُقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا. وَيَتَّقِي الرَّاجِمُ الْوَجْهَ (وَلَا يُجْلَدُ) الْمَرْجُومُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرَّجْمِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ، وَلَمْ يَجْلِدْهُمَ». وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، وَلَمْ يَأْمُرْ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تُرْشِدُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْجَلْدُ كَالرِّدَّةِ (وَلَا يُنْفَى الْمَرْجُومُ) قَبْلَ رَجْمِهِ. (وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) لَا سُرِّيَّتُهُ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) لَا بَاطِلٍ وَلَا فَاسِدٍ (وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً فِي قُبُلِهَا) وَطْئًا حَصَلَ بِهِ تَغِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا (فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ) كَفِي نِفَاسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ مَعَ ضِيقِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ (وَهُمَا)؛ أَيْ: الزَّوْجَانِ (مُكَلَّفَانِ حُرَّانِ) فَلَا إحْصَانَ مَعَ صِغَرِ أَحَدِهِمَا (أَوْ جُنُونِهِ أَوْ رِقِّهِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ بِنِكَاحٍ يُقَرَّانِ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَا) فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَأُخْتِهِ؛ إذْ تَزْوِيجُهُ بِنَحْوِ أُخْتِهِ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا، وَكَذَا الْيَهُودِيُّ إذَا نَكَحَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ وَلَا الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِوَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ؛ «لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِرَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ، فَرُجِمَا»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَيُفَارِقَ الْإِحْصَانُ إحْلَالٌ حَيْثُ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِوَطْءِ زَوْجٍ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ، فَمَنْ كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ؛ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَأَحَقُّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ، وَالنِّعْمَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ أَكْمَلُ، بِخِلَافِ الْإِحْلَالِ؛ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ؛ فَإِنَّهُ مِمَّا تَأْبَاهُ الطِّبَاعُ وَيَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ (لَكِنْ لَا حَدَّ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ نَصًّا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِنَا بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا، فَإِذَا زَنَى بَعْدَ إسْلَامٍ أَوْ بَعْدَ كَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اكْتِفَاءً بِإِحْصَانِهِ بِالنِّكَاحِ فِي أَمَانِهِ السَّابِقِ. (وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُ) مَنْ أَحْصَنَ كَافِرًا (بِإِسْلَامٍ) نَصًّا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. (وَيَتَّجِهُ وَيَسْقُطُ) إحْصَانُ كَافِرٍ زَنَى بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ (بِطُرُوءِ) عَلَيْهِ (مُدَّتِهِ)؛ أَيْ: الرِّقِّ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِزِنَاهُ السَّابِقِ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ مَا دَامَ رَقِيقًا، مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمَالِكِ، فَإِذَا زَنَى فِي مُدَّةِ رِقِّهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَكَذَا لَوْ صَارَ حُرًّا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اكْتِفَاءً بِإِحْصَانِهِ السَّابِقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَصِيرُ هِيَ)؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ (أَيْضًا مُحْصَنَةً) حَيْثُ كَانَا بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ الْوَطْءِ (وَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ أَيْ: الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ (مَعَ فَقْدِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ) مِنْ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ. (وَيَثْبُتُ) إحْصَانُهُ (بِقَوْلِهِ)؛ أَيْ: الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ (وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا وَنَحْوِهِ) كَبَاضَعْتُهَا (أَوْ دَخَلْتُ بِهَا) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الْوَطْءُ بِخِلَافِ أَصَبْتُهَا أَوْ بَاشَرْتُهَا أَوْ أَتَيْتُهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ كَثِيرًا، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. وَكَذَا لَوْ قَالَتْ هِيَ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَفِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ قَالَتْ: بَاشَرَهَا أَوْ مَسَّهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَوْ قَالَهُ هُوَ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ. انْتَهَى.وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ)؛ أَيْ: وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ (بِالشَّهَادَةِ) مِنْ عَدْلَيْنِ (عَلَى فِعْلِهِ) الْوَطْءَ وَأَمَّا لَوْ شَهِدَا بِدُخُولِهِ بِزَوْجَتِهِ فَلَا يَكُونُ إحْصَانًا عَلَى الْمَذْهَبِ صَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ مُقِرٌّ بِهِ) أَيْ: بِالْوَطْءِ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ (قُبِلَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ؛ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا يَثْبُتُ) إحْصَانٌ (بِوَلَدِهِ) مِنْ امْرَأَتِهِ (مَعَ إنْكَارِ وَطْئِهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ، وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ وَلَدٌ مِنْ زَوْجِهَا فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا؛ لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا لِذَلِكَ، وَإِذَا جُلِدَ زَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ، فَبَانَ مُحْصَنًا، رُجِمَ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: إنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ، «فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُلِدَ الْحَدَّ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ، فَرُجِمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيُكَفَّنُ الْمَحْدُودُ بِالرَّجْمِ، وَيُغَسَّلُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا.قَالَ أَحْمَدُ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ شُرَاحَةَ، وَكَانَ رَجَمَهَا، فَقَالَ: اصْنَعُوا بِهَا مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ، وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَيْهَا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْجُهَنِيَّةِ «فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ، وَصَلَّى عَلَيْهَا» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.تَتِمَّةٌ:وَلَوْ زَنَى حُرٌّ ذِمِّيٌّ، ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَ، فَاسْتُرِقَّ؛ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ مِنْ رَجْمٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ تَغْرِيبٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَقَدْ كَانَ حُرًّا. (وَإِنْ زَنَى غَيْرُ مُحْصَنٍ حُرٌّ جُلِدَ مِائَةً) بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ (وَغُرِّبَ، عَامًا وَلَوْ أُنْثَى) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ تَرَتَّبَ عَلَى الزِّنَا فَوَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ كَالْقَوَدِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ»، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، (وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ). وَيَكُونُ تَغْرِيبُ أُنْثَى (بِمَحْرَمٍ بَاذِلٍ نَفْسَهُ) مَعَهَا (وُجُوبًا) لِعُمُومِ نَهْيِهَا عَنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ (وَعَلَيْهَا أُجْرَتُهُ)؛ أَيْ: الْمَحْرَمِ، لِصَرْفِ نَفْسِهِ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا (فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) أُجْرَتُهُ (مِنْهَا) لِعَدَمٍ أَوْ امْتِنَاعٍ (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ. (فَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ السَّفَرَ مَعَهَا (أَوْ تَعَذَّرَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ (فَوَحْدَهَا) تُغَرَّبُ (إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ بِحَيْثُ عَيَّنَهُ حَاكِمٌ) لِلْحَاجَةِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَكَالْحَجِّ إذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ (وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ). زَنَى (وَ) يُغَرَّبُ (مُغَرَّبٌ) زَنَى مِنْ رَبَّتِهِ (إلَى غَيْرِ وَطَنِهِمَا) لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى وَطَنِهِ لَيْسَ تَغْرِيبًا، (وَيَتَدَاخَلُ تَغْرِيبٌ كَحَدٍّ) وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ مُدَّةِ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْحَدَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَا، وَإِنْ عَادَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ مُنِعَ، وَأُعِيدَ تَغْرِيبُهُ حَتَّى يُكْمِلَ الْحَوْلَ مُسَافِرًا، وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى قَبْلَ عَوْدِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِزِيَادَتِهِ إذَنْ عَنْ الْعَامِ، وَالْبَدَوِيُّ يُغَرَّبُ عَنْ حِلَّتِهِ وَقَوْمِهِ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يَمْضِيَ الْعَامُ؛ لِيَحْصُلَ التَّغْرِيبُ. وَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَغْرِيبَهُ، فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ؛ لَمْ يَكْفِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ، كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ، وَلَا يُحْبَسُ الْمُغَرَّبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَإِنْ زَنَى قِنٌّ وَلَوْ عَتَقَ بَعْدَ جَلْدِ خَمْسِينَ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} وَالْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ، فَيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالرَّجْمُ لَا يَتَأَتَّى بِهِ تَنْصِيفُهُ. (وَلَا يُغَرَّبُ) قِنٌّ، زَنَى، لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ، إذْ الْعَبْدُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي تَغْرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِيبٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَتَرَفَّهُ فِيهِ بِتَرْكِ الْخِدْمَةِ، وَيَتَضَرَّرُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ. (وَلَا يُعَيَّرُ) زَانٍ بَعْدَ الْحَدِّ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ» يُقَالُ ثَرَّبَهُ عَلَيْهِ، أَيْ: لَامَهُ وَعَيَّرَهُ بِذَنْبِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَإِنْ زَنَى) رَقِيقٌ (بَعْدَ عِتْقٍ وَقَبْلَ عِلْمٍ بِهِ)؛ أَيْ: الْعِتْقِ (حُدَّ كَحُرٍّ) وَلَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ أُقِيمَ حَدُّ الرَّقِيقِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ عُلِمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ تُمِّمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَحْرَارِ اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ كُلُّهَا؛ رُجِمَ كَمَا سَبَقَ فِي الْحُرِّ الْأَصْلِيِّ. (وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُبَعَّضٌ بِحِسَابِهِ) فَالْمُتَنَصَّفُ يُجْلَدُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ جَلْدَةً، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ تَغْرِيبُهُ عَامٌ، وَالْعَبْدُ لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِ، فَنِصْفُ الْوَاجِبِ مِنْ التَّغْرِيبِ نِصْفٌ مَحْسُوبًا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ نَصِيبِهِ الْحُرِّ، وَلِلسَّيِّدِ نِصْفُ عَامٍ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ السَّيِّدِ لَا تَغْرِيبَ فِيهِ، وَمَا زَادَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ عَلَى النِّصْفِ وَنَقَصَ عَنْهَا فَبِحِسَابِ ذَلِكَ مِنْ جَلْدٍ وَتَعْزِيرٍ (فَإِنْ كَانَ) فِي الْجَلَدَاتِ (كَسْرٌ كَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ؛ فَحَدُّهُ سِتٌّ وَسِتُّونَ) جَلْدَةً (وَثُلُثَا جَلْدَةٍ فَيَنْبَغِي سُقُوطُ الْكَسْرِ) لِئَلَّا يَحْصُلَ الْعُدْوَانِ بِمُجَاوَزَةِ الْوَاجِبِ، وَلَمْ تُجْعَلْ كَالْيَمِينِ فِي الْقَسَامَةِ، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ حَسَبَ الِاسْتِطَاعَةِ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ لِحَدِيثِ «الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنْ عَبْدِهِ الزَّانِي وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِأَنَّهُ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ. (وَإِنْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ) أَوْ عَكْسُهُ (أَوْ) زَنَى (حُرٌّ بِقِنٍّ فَلِكُلٍّ حَدُّهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَقَالُوا: إنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ يَأْتِي امْرَأَةَ الْآخَرِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الْعَسِيفُ الْأَجِيرُ. (وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ (كـَ) زَانٍ (بِغَيْرِهَا) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يُقْتَلُ) زَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ: مُحْصَنًا كَانَ أَوْ لَا، قِيلَ لَهُ: فَالْمَرْأَةُ؟ قَالَ: كِلَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ. (وَلُوطِيٌّ فَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ بِهِ كَزَانٍ) فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مُحْصَنًا رُجِمَ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ الْحُرِّ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُغَرَّبُ عَامًا، وَالرَّقِيقُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ وَالْمُبَعَّضُ بِحِسَابِهِ؛ لِحَدِيثِ «إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ»: وَلِأَنَّهُ فَرْجٌ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِمْتَاعِ؛ أَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ. (وَمَمْلُوكُهُ) إذَا لَاطَ بِهِ (كَأَجْنَبِيٍّ) لِأَنَّ الذَّكَرَ لَيْسَ لِلْوَطْءِ فَلَا يُؤَثِّرُ مِلْكُهُ لَهُ. (وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ)؛ أَيْ: غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ (كَلِوَاطٍ) وَيُعَزَّرُ مَنْ أَتَى زَوْجَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ فِي دُبُرِهَا (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً) وَلَوْ سَمَكَةً (عُزِّرَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى فَرْجِ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالنُّفُوسُ تَعَافُهُ، وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ؛ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِيهِ كَوَطْءِ الْمَيِّتَةِ (وَقُتِلَتْ) الْبَهِيمَةُ الْمَأْتِيَّةُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ؛ لِئَلَّا يُعَيَّرَ بِهَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: ( «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ») رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ. وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَالُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: لِئَلَّا يُقَالَ هَذِهِ بِهَذِهِ» وَقِيلَ فِي التَّعْلِيلِ لِئَلَّا تَلِدَ خَلْقًا مُشَوَّهًا، وَبِهِ عَلَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَقِيلَ لِئَلَّا تُؤْكَلَ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَعْلِيلِهِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ (لَكِنْ) لَا تُقْتَلُ إلَّا (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فِعْلِهِ بِهَا) إنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. (وَيَكْفِي إقْرَارُهُ مَرَّةً إنْ مَلَكَهَا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَيَحْرُمُ أَكْلُهَا)؛ أَيْ: الْمَأْتِيَّةِ- وَلَوْ مَأْكُولَةً- لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَأْكُولَاتِ (فَيَضْمَنُهَا) الْآتِي لَهَا بِقِيمَتِهَا لِإِتْلَافِهَا بِسَبَبِهِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَمَاتَتْ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ لَا تُقْتَلُ) الْبَهِيمَةُ الْمَأْتِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا لَا ذَنْبَ لَهَا، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ؛ (فَإِنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ سُئِلَ) عَنْ حَدِيثِ قَتْلِهَا فَلَمْ يُثْبِتْهُ،(وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْحَدِيثُ) الْوَارِدُ فِي قَتْلِهَا (ضَعِيفٌ) لَكِنْ قَالَ: فِي الْإِنْصَافِ وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الِاخْتِيَارُ قَتْلُهَا، انْتَهَى.فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الِاتِّجَاهَ فِيهِ مَا فِيهِ (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (مَنْ أَتَى بَهِيمَةً حُدَّ كَلُوطِيٍّ) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتَارَهَا الْقَاضِي، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَمَنْ مَكَّنَتْ مِنْهَا قِرْدًا) حَتَّى وَطِئَهَا (عُزِّرَتْ) تَعْزِيرًا بَلِيغًا كَوَاطِئِ الْبَهِيمَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ..فَصْلٌ: [شُرُوطُ حَدِّ الزِّنَا]: (وَشُرُوطُ حَدِّ زِنًا ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا- تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ مِنْ عَاقِلٍ، وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنْ يَكُونَ (بِلَا حَائِلٍ) قِيَاسًا عَلَى الْغُسْلِ، إذْ لَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِحَائِلٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ نَفَى وُجُوبَ الْغُسْلِ نَفْيُ الْحَدِّ وَأَوْلَى قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ غَيَّبَ بِحَائِلٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (مِنْ آدَمِيٍّ)، وَلَوْ مِنْ خَصِيٍّ (أَوْ مِنْ جَاهِلِ) الْعُقُوبَةِ (أَوْ) تَغْيِيبُ (قَدْرِهَا)؛ أَيْ: الْحَشَفَةِ (لِعَدَمِهَا فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ، وَلَوْ دُبُرًا) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَأَصَبْتُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْهَا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» رَوَاه النَّسَائِيّ فَلَا حَدَّ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَلَا بِتَغْيِيبِ ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلَا بِالتَّغْيِيبِ فِي فَرْجِهِ، وَلَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَالِهِ، عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَ التَّعْزِيرِ إذَا رَآهُ، كَمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْح. الشَّرْطُ (الثَّانِي- انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ) لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَلَا يُحَدُّ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ) أَوْ سُرِّيَّتَهُ (فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرٍ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكًا (أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ أَبَدًا بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ (الْمُزَوَّجَةَ) أَوْ (أَمَتَهُ) الْمُعْتَدَّةَ أَوْ (أَمَتَهُ) (الْمُرْتَدَّةَ أَوْ) أَمَتَهُ (الْمَجُوسِيَّةَ) (أَوْ) وَطِئَ أَمَةً (لَهُ فِيهَا) شِرْكٌ (أَوْ) لِوَلَدِهِ (فِيهَا) شِرْكٌ (أَوْ لِمُكَاتَبِهِ) فِيهَا شِرْكٌ (أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ، وَهُوَ)؛ أَيْ: الْوَاطِئُ (مُسْلِمٌ حُرٌّ) فَلَا حَدَّ لِشُبْهَةِ مِلْكِ الْوَاطِئِ أَوْ لِوَلَدِهِ؛ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ؛ لِحَدِيثِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلِشُبْهَةِ مِلْكِ مُكَاتَبٍ الْوَاطِئَ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ لَا حَدَّ عَلَى الرَّقِيقِ) الْمُسْلِمِ إذَا وَطِئَ أَمَةً لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ (قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ) الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا هُنَا: الشَّرْطُ السَّادِسُ انْتِقَاءُ الشُّبْهَةِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مُسْلِمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ قِنًّا، وَفِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ لِلْحُرِّ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ فَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ نِسْبَةِ هَذَا الِاتِّجَاهِ إلَى الْمُصَنِّفِ؛ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِصَرِيحِ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ. (أَوْ) وَطِئَ (فِي نِكَاحِ) مُخْتَلَفٍ فِيهِ (أَوْ فِي مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُعْتَقَدُ تَحْرِيمُهُ كَنِكَاحِ بِنْتِهِ مِنْ زِنًا وَنِكَاحِ مُتْعَةٍ كَ) قَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ (أَمْتِعِينِي نَفْسَكِ؛ فَتَقُولُ هِيَ أَمْتَعْتُكَ) نَفْسِي (بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ) فَلَا حَدَّ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا حَدَّ بِوَطْئِهِ امْرَأَةً مُطَلَّقَةً مِنْهُ (ثَلَاثًا دُفْعَةً أَوْ) مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا فِي دُفُعَاتٍ (فِي طُهْرٍ) وَاحِدٍ (لِقَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فَلْيُرَاجَعْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا حَدَّ بِوَطْءٍ بِشِرَاءٍ (فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الْأَمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَمِنْهُ الْوَطْءُ (لَا قَبْلَهُ)؛ أَيْ: الْقَبْضِ، فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ قَبْضِ مَبِيعَةٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ حُدَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ ) أَوْ وَطِئَ فِي مِلْكٍ (بِعَقْدٍ) فُضُولِيٍّ، (وَلَوْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ) فَلَا حَدَّ، أَوْ وَطِئَ (امْرَأَةً وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ) فَلَا حَدَّ (وَيَتَّجِهُ وَ) لَوْ وَجَدَهَا (بِغَيْرِ فِرَاشِهِ وَ) كَذَلِكَ (بِغَيْرِ مَنْزِلِهِ؛ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الظَّنَّ) أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ (حَيْثُ لَا قَرِينَةَ) عَلَى صِدْقِ ظَنِّهِ، أَمَّا إنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُهُ كَكَوْنِهَا مَعَهُ فِي مَنْزِلِ الْغَيْرِ؛ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِجَوَازِ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) وَطِئَ أَمَةً (ظَنَّ أَنْ لَهُ فِيهَا شُرَكَاءَ أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شُرَكَاءَ) فَلَا حَدَّ، أَوْ دَعَّى ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ، فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا؛ فَلَا حَدَّ؛ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَةَ الْوَطْءِ فِيمَا يُعْذَرُ فِيهِ مِثْلُهُ (أَشْبَهَ مَنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ)، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَّى مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، فَوَطِئَهَا يَظُنُّهَا الْمَدْعُوَّةَ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَدْعُوَّةُ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا شُبْهَةٌ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِهَذَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا يَظُنُّهُ ابْنَهُ فَبَانَ أَجْنَبِيًّا. (أَوْ جَهِلَ) زَانٍ (تَحْرِيمَهُ)؛ أَيْ: الزِّنَا، وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْهَلَهُ (لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ نَشْؤُهُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ) عَنْ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ النَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَادَّعَى جَهْلَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ عُلِمَ كَذِبُهُ (أَوْ) ادَّعَى جَهْلَ (تَحْرِيمِ نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ فَقِيهًا، فَلَا يُحَدُّ، لِأَنَّ عُمَرَ قَبِلَ قَبُولَ الْمُدَّعِي الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُجْهَلُ كَثِيرًا، وَيَخْفَى عَلَى غَيْرِ أَهْل الْعِلْمِ. (أَوْ ادَّعَى) وَاطِئُ امْرَأَةٍ (أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأَنْكَرَتْ) زَوْجِيَّتَهُ؛ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُ، لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْحَدُّ فَادْرَأْ مَا اسْتَطَعْتَ (فَإِنْ أَقَرَّتْ هِيَ) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (أَنَّهُ زَنَى) بِهَا مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمِهِ (حُدَّتْ) وَحْدَهَا وَلَا مَهْرَ نَصًّا مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا. (وَيُحَدُّ) مُكَلَّفٌ (بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ) [(إجْمَاعًا مَعَ عِلْمِهِ)] بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَنِكَاحِ مُزَوَّجَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ مِنْ غَيْرِ زِنًا، لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ [لَمْ] يُصَادِفْ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، رَوَى أَبُو نَصْرٍ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ هَلْ عَلِمْتُمَا؟ قَالَا: لَا، [فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا. (أَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ) حُدَّ، لِأَنَّ الْأَمَانَ]. لَا يُبِيحُ الْبُضْعَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى وَاطِئِ الْحَرْبِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَأْمَنَةً أَوْ لَا، لَكِنَّ وَطْءَ غَيْرِ الْمُسْتَأْمَنَةِ [مُوجِبٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى (نَحْوِ أَسِيرٍ) كَتَاجِرٍ بِدَارِ حَرْبٍ؛ إذْ الْبُضْعُ مُحَرَّمٌ إلَّا] عَلَى الْأَزْوَاجِ أَوْ مَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ نَحْوِ الْأَسِيرِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْءِ الْحَرْبِيَّةِ الَّتِي لَا أَمَانَ لَهَا بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ (أَوْ) زَنَى بِحَرْبِيَّةِ مُسْتَأْمَنَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) زَنَى (بِمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ) حُدَّ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْإِجَارَةِ (أَوْ زَنَى بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ) حُدَّ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ مَنْ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ (أَوْ) زَنَى (بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) (أَوْ) زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ (مَلَكَهَا) حُدَّ؛ لِوُجُوبِهِ بِوَطْئِهَا أَجْنَبِيَّةً؛ فَلَا يَسْقُطُ بِتَغَيُّرِ حَالِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَتْ أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْت بِفُلَانَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَكَتَتْ، فَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَمْ تُكَذِّبْهُ أَوْ جَحَدَتْ؛ حُدَّ. [(أَوْ) زَنَى] (بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا) كَبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ؛ حُدَّ بِلَا نِزَاعٍ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّ الْوَاطِئَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْمَوْطُوءَةِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِسُقُوطِهِ عَنْ الْوَاطِئِ لِأَنَّ سَبَبَ السُّقُوطِ فِي الْمَوْطُوءَةِ [غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَاطِئِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْوَاطِئِ دُونَ الْمَوْطُوءَةِ] لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا؛ فَلَا يُحَدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ (أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ) عَلَيْهِ (بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ وَنَحْوِهَا، (حُدَّ لِعِتْقِهَا) عَلَيْهِ (بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ) إيَّاهَا؛ فَلَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ تَعْلِيلِهِمْ. بِأَنَّهَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ (فَلَوْ كَانَ) وَاطِئُ أَمَتِهِ (مُكَاتَبًا) حِينَ الْوَطْءِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ لَهَا، وَلَا يَمْلِكُ عِتْقَهَا وَلَوْ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا لِأَنَّهُ نَوْعُ إعْتَاقٍ؛ أَشْبَهَ الْعِتْقَ بِغَيْرِ مَالٍ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ زَنَى مُكْرَهًا) حُدَّ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ الْحَادِثِ بِالِاخْتِيَارِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالنَّاظِمُ، فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْمُكْرَهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُحَدُّ الْمُكْرَهُ (إلَّا إنْ أُكْرِهَ) عَلَى إيلَاجِ ذَكَرِهِ بِأُصْبُعِهِ (فَأَدْخَلَهُ بِلَا انْتِشَارٍ) أَوْ بَاشَرَ الْمُكْرِهُ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) أَوْ مَأْمُورُهُ إيلَاجَ الذَّكَرِ بِالْأُصْبُعِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ يُنْسَبُ إلَيْهِ. (وَإِنْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا [أَوْ مُمَيِّزًا]) حُدَّتْ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ إنْ كَانَ الْمُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ (يَطَأُ مِثْلُهُ كَعَكْسِهِ)؛ أَيْ: كَمَا لَوْ وَطِئَ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً يُوطَأُ مِثْلُهَا (وَأَوْلَى) كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ مَكَّنَتْ مَنْ يَجْهَلُهُ)، أَيْ: التَّحْرِيمَ (أَوْ مَكَّنَتْ) (حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ) فِي فَرْجِهَا (حُدَّتْ) وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَنْ أَحَدِ الْمُتَوَاطِئَيْنِ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْ الْآخَرِ. وَلَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ (إنْ أُكْرِهَتْ) عَلَى الزِّنَا (أَوْ أُكْرِهَ مَلُوطٌ بِهِ بِالْفِعْلِ) كَالضَّرْبِ (أَوْ بِتَهْدِيدٍ أَوْ مَنْعٍ مِنْ طَعَامٍ) (أَوْ شَرَابٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ) إلَيْهِ كَمَنْعِ الدِّفْءِ فِي الشِّتَاءِ وَلَيَالِيِهِ الْبَارِدَةِ. (وَيَتَّجِهُ وَلَا حُرْمَةَ) عَلَى مُكْرَهٍ (إذَنْ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»). رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ: ( «أَنَّ امْرَأَةً اُسْتُكْرِهَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ») رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ وَلِأَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.تَتِمَّةٌ:لَوْ زَنَى مُكَلَّفٌ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الزِّنَا مَعَ عِلْمِهِ تَحْرِيمَهُ (حُدَّ كَقِصَّةِ مَاعِزٍ)، وَكَذَا لَوْ زَنَى سَكْرَانُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي سُكْرِهِ. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ ثُبُوتُهُ)؛ أَيْ: الزِّنَا (وَلَهُ)؛ أَيْ: الثُّبُوتِ (صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ مُكَلَّفٌ) [(وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا)] أَوْ مُبَعَّضًا (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِحَدِيثِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: ( «اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؛ وَرَدَّهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّكَ إنْ اعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ، فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ، فَحَبَسَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ»). وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: ( «أَتَى رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: إنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا قَالَ هَلْ أُحْصِنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ»). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ الِاعْتِرَافُ أَرْبَعًا فِي مَجَالِسَ لِأَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَالْغَامِدِيَّةَ أَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ فِي مَجَالِسَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ. (أَوْ كَذَّبَتْهُ مُزْنًى بِهَا فَيُحَدُّ) دُونَهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. (وَيُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ) مُقِرٌّ (بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ, قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنِكْتَهَا لَا تُكَنِّي؟ قَالَ نَعَمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ») رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ: ( «أَنِكْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ كَمَا تُغَيِّبُ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءَ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا. قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؛ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَةُ وَ(لَا) يُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ بِمَنْ (زَنَى) بِهَا (وَلَا ذِكْرِ مَكَانِهِ)؛ أَيْ الزِّنَا.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ذِكْرُ ذَلِكَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَجْنُونِ، وَلَا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.(وَ) يُعْتَبَرُ (أَنْ لَا يَرْجِعَ) مُقِرٌّ بِزِنًا (حَتَّى يَتِمَّ الْحَدُّ) فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ، أَوْ هَرَبَ تُرِكَ. (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ)؛ أَيْ: الزِّنَا (أَرْبَعًا فَأَنْكَرَ) إقْرَارَهُ بِهِ (أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ) مَرَّاتٍ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِرُجُوعِهِ (وَلَا) حَدَّ (عَلَى شُهُودٍ) لِكَمَالِهِمْ فِي النِّصَابِ (وَيُسْتَحَبُّ لِإِمَامٍ أَوْ حَاكِمٍ) يَثْبُتُ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ (التَّعْرِيضُ لِمُقِرِّ) إذَا تَمَّ الْإِقْرَارُ (لِيَرْجِعَ) عَنْهُ، فَالتَّعْرِيضُ لَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَتِمَّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ مَاعِزٍ حِينَ أَقَرَّ عِنْدَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى تَمَّمَ إقْرَارُهُ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ لَمَسْتَ»). وَرُوِيَ «أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ: مَا أَخَالُكَ فَعَلْتَ كَذَا» رَوَاه سَعِيدٌ.تَتِمَّةٌ:وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ، أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ لَا يُقِرَّ، لِأَنَّ سَتْرَ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْإِقْرَارِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ. الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ) لِثُبُوتِ الزِّنَا (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ) أَيْ الزَّانِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عُدُولٍ ( [وَلَوْ جَاءُوا] مُتَفَرِّقِينَ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (أَوْ صَدَّقَهُمْ) زَانٍ، تَبِعَ فِي ذَلِكَ عِبَارَةَ الْمُنْتَهَى وَهِيَ دَخِيلَةٌ لَا مَحِلَّ فِيهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ لَكَانَ أَرْشَقَ فِي الْعِبَارَةِ (بِزِنًا وَاحِدٍ) مُتَعَلِّقٍ بِيَشْهَدُ (وَيَصِفُونَهُ)؛ أَيْ: الزِّنَا (وَيَكْفِي) فِي الْوَصْفِ قَوْلُهُمْ (رَأَيْنَا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) أَوْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ أَوْ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ. (وَالتَّشْبِيهُ) بِمَا ذَكَرَ (تَأْكِيدٌ، وَيَجُوزُ لِلشُّهُودِ نَظَرُ ذَلِكَ) مِنْ الزَّانِيَيْنِ (لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا؛ لِيَحْصُلَ الرَّدْعُ) [بِالْحَدِّ (فَإِنْ شَهِدُوا) فِي] (مَجْلِسَيْنِ فَأَكْثَرَ) مِنْ مَجْلِسَيْنِ فَإِنْ شَهِدَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْبَاقِي حَتَّى قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ، حُدَّ الْجَمِيعُ لِلْقَذْفِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمَجْلِسِ لَمْ يُذْكَرْ فِي (الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَيْضًا وَوَصْفَ الزِّنَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مَعَ اعْتِبَارِهِمَا)؛ لِدَلِيلٍ آخَرَ. (أَوْ) شَهِدَ بَعْضٌ بِالزِّنَا وَ(امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الشَّهَادَةِ أَوْ لَمْ يُكْمِلُهَا؛ أَيْ: الشَّهَادَةَ؛ (حُدَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ لِلْقَذْفِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَهَذَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى رَامٍ لَمْ يَشْهَدْ بِمَا قَالَهُ أَرْبَعَةً، وَلِأَنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُكْمِلْ الرَّابِعُ شَهَادَتَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ؛ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (أَوْ كَانُوا)؛ أَيْ: الشُّهُودُ. (أَوْ) كَانَ (بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ)؛ أَيْ: الزِّنَا لِعَمًى أَوْ فِسْقٍ أَوْ لِكَوْنِ (أَحَدِهِمْ زَوْجًا) [؛ (حُدُّوا لِلْقَذْفِ)]لِعَدَمِ كَمَالِ شَهَادَتِهِمْ كَمَا (لَوْ لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ) (وَكَمَا لَوْ بَانَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِزِنًا مَجْبُوبًا أَوْ) بَانَتْ مَشْهُودٌ عَلَيْهَا (رَتْقَاءَ) فَيُحَدُّونَ؛ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ. (وَلَا) يُحَدُّ (زَوْجٌ لَاعَنَ) زَوْجَتَهُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا: وَتَقَدَّمَ (أَوْ كَانُوا)؛ أَيْ: الْأَرْبَعَةُ (مَسْتُورِي الْحَالِ، أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ)؛ أَيْ الْأَرْبَعَةِ (قَبْلَ وَصْفِهِ عُدُولًا كَانُوا أَوْ مَسْتُورِينَ)؛ [فَلَا يُحَدُّونَ] أَوْ (بَانَتْ [مَشْهُودٌ عَلَيْهَا عَذْرَاءَ] بِقَوْلِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ فَيُكْتَفَى بِشَهَادَتِهَا بِعُذْرَتِهَا كَسَائِرِ عُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ)، وَحَيْثُ شَهِدَتْ فَلَا يُحَدُّونَ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: ( {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}) وَقَدْ جِيءَ هُنَا بِالْأَرْبَعِ، وَلَا تُحَدُّ هِيَ وَلَا الرَّجُلُ. (وَإِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدَا بِزِنًا (زَاوِيَةً زَنَى بِهَا فِيهَا مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ عُرْفًا، وَ) عَيَّنَ (اثْنَانِ) مِنْهُمْ زَاوِيَةً (أُخْرَى مِنْهُ)؛ أَيْ: الْبَيْتِ الصَّغِيرِ؛ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ فِي أَحَدِ الزَّاوِيَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُخْرَى، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا. (أَوْ قَالَ اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا (فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ أَوْ) قَالَ زَنَى بِهَا (قَائِمَةً، وَقَالَ اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ (أَحْمَرَ أَوْ) زَنَى بِهَا (نَائِمَةً كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمْ) لِعَدَمِ التَّنَافِي؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ تَحْتَهُ قَمِيصٌ أَحْمَرُ، ثُمَّ خَلَعَ قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ابْتَدَأَ بِهَا الْفِعْلَ قَائِمَةً، وَأَتَمَّهُ نَائِمَةً. (وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ كَبِيرًا) عَرَّفَا وَعَيَّنَ اثْنَانِ زَاوِيَةً وَاثْنَانِ أُخْرَى فَقَذْفَةٌ (أَوْ عَيَّنَ اثْنَانِ بَيْتًا أَوْ) عَيْنًا (بَلَدًا أَوْ) عَيْنًا (يَوْمًا وَ) عَيَّنَ (اثْنَانِ) فِي شَهَادَتِهِمَا بَيْتًا أَوْ بَلَدًا أَوْ يَوْمًا (آخَرَ) (فـَ) الْأَرْبَعَةُ (قَذْفَةٌ) لِشَهَادَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ الْآخَرَانِ، وَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ (وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ. (وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ زَنَى بِهَا مُطَاوَعَةً،(وَقَالَ: اثْنَانِ) زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً؛ (لَمْ تَكْمُلْ) شَهَادَتُهُمْ؛ لِاخْتِلَافِهِمْ (وَعَلَى شَاهِدَيْ الْمُطَاوَعَةِ حَدَّانِ) حَدٌّ لِقَذْفِ الرَّجُلِ، وَحْدٌ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ (وَعَلَى شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ) لِشَهَادَتِهِمَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً. (وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِالزِّنَا بِهَا (وَهِيَ بَيْضَاءُ، وَقَالَ اثْنَانِ) مِنْهُمْ (غَيْرَهُ)؛ أَيْ: زَنَى بِهَا وَهِيَ سَوْدَاءُ وَنَحْوُهُ (لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) بِزِنًا (فَرَجَعُوا) كُلُّهُمْ، (أَوْ) رَجَعَ (بَعْضُهُمْ قَبْلَ حَدِّ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (وَلَوْ بَعْدَ حُكْمٍ) يُحَدُّ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَ(حُدَّ) الشُّهُودُ (الْجَمِيعُ) أَمَّا مَعَ رُجُوعِهِمْ فَلِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، وَأَمَّا مَعَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ فَلِنَقْصِ عَدَدِ الشُّهُودِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ.(وَ) إنْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ (بَعْدَ حَدٍّ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ (يُحَدُّ رَاجِعٌ) عَنْ شَهَادَتِهِ (فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ فَلَا يُنْقَضُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْضِهِمْ، لَكِنْ يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ، فَيَلْزَمُهُ حَدُّهُ إذَا كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا أَوْ رَجْمًا وَطَالَبَهُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيُحَدُّ بِطَلَبِ الْوَرَثَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ)، أَيْ: فُلَانٍ (بِفُلَانَةَ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ [أَنْ الشُّهُودَ هُمْ الزُّنَاةُ بِهَا]) دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (حُدَّ) الْأَرْبَعَةُ (الْأَوَّلُونَ) الشَّاهِدُونَ بِهِ (فَقَطْ) دُونَ الشُّهُودِ عَلَيْهِ لِقَدْحِ الْآخَرِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ (لِلْقَذْفِ وَالزِّنَا) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِنًا لَمْ يَثْبُتْ فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِمْ الزِّنَا بِشَهَادَةِ الْآخَرِينَ. وَإِذَا كَمَلَتْ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ، ثُمَّ مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إقَامَةَ الْحَدِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَاحْتِمَالُ رُجُوعِهِمْ لَيْسَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ، لِبُعْدِهِ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنًا قَدِيمٍ، أَوْ أَقَرَّ الزَّانِي بِهِ، وَجَبَ الْحَدُّ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالْحَدِّ مِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ نَصَّصَ عَلَيْهِ لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرَةَ. (وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، لَمْ تُحَدَّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) الْحَمْلِ، لَكِنْ تُسْأَلُ وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهَا، لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنْ ادَّعَتْ إكْرَاهًا أَوْ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ، أَوْ لَمْ تُقِرَّ بِزِنًا أَرْبَعًا، لَمْ تُحَدَّ، وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ، وَسَأَلَهَا عُمَرُ فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا اسْتَيْقَظْتُ حَتَّى نَزَعَ، فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ إذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى فَهُوَ مُعَطَّلٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ.
|